تعليق المُحال على المُحال:
"وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ".
ما النّكتة في العدول عن لفظ الدُّخُول إلى لفظ الوُلُوج مع الجمل: "حتى يلج الجمل"، وليس حتى يدخل الجمل؟!
حتى يدخل الجمل في سم الخياط ويغيب فيه ويختفي زيادة في الاستحالة.
الولوج أخص من مطلق الدخول؛ فيه ملحظ الملاصقة والضيق وملحظ التغيب والتخفي.
يلج الشيء في غيره: يدخل فيه حتى يغيب ويختفى.
يعلم ما يلج في الأرض: يعلم ما يدخل فيها ويغيب ويختفي.
ويولج الليل في النهار حتى يغيب فيه ويختفي.
.....
درة النكات واللطائف
نكتة الجمل وسم الخياط:
"حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ": توصيف حالة بديعة ولطيفة المأخذ من الطباق بين الجمل، وهو يمثل حالة الضخامة في البنيان والهيكل أو الغلظة في الثخانة والسماكة، وسم الخياط وهو يمثل حالة ضيق المنفذ واستحالة المسلك والثقب الدقيق.
وهذه الحالة من الطباق والتضاد تصدق وتنطبق على الجمل بوصفه الحيوان المعروف أو الجمل بوصفه حبل السفينة الغليظ، وذلك مقابلة مع ثقب الإبرة الصغير جدا، أو عروة الثوب المخيط وفتحته الضيقة جدا، وذلك نسبة إليهما.
وهذا من خصائص البيان القرءاني أنه يوظف كل الصور الممكنة لمعاني اللفظ الواحد في ذات السياق، وكل صورة لها وجه حسن من التدبر.
الجمل: القطعة العظيمة والكتلة المتجمعة من جملة الشيء الواحد، أيا ما كان ذلك الشيء.
-"لولا نُزّل عليه القرءان جملة واحدة": مجموعا في إنزال واحد ودفعة واحدة وقطعة ( سورة ) واحدة وليس متفرقا.
-"ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالات صفر": الجمالة هي الكتلة والقطعة العظيمة المتجمعة من اللهب الأصفر بعد انفصاله.
وأخيرا:
فيما يبدو أن الجمل وسم الخياط هو وصف حالة، كمثل حالة الشفع والوتر؛ وليس تعيين جنسها مرادا لذاته.
يطلق الجمل على الحيوان المعروف وعلى حبل السفينة الغليظ، ويطلق السمّ على الثقب الصغير لإبرة آلة الخياطة نفسها وعلى فتحة عروة الثوب المخيط الضيقة جدا.
والله أعلم.
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىظ° يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ غڑ وَكَذَظ°لِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)الاعراف

تأملت قول الله تعالى : " ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط " فقلت في نفسي : ما علاقة الجمل بسم الخياط ؟ وعند مطالعة كتب التفسير تبين لي أن من المفسرين من فسره بالبعير ومنهم من فسره بحبل السفينة وللفائدة أجمل لكم كلام المفسرين :
ابن كثير : ( قوله تعالى ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط هكذا قرأه الجمهور وفسروه بأنه البعير قال ابن مسعود : هو الجمل ابن الناقة وفي رواية زوج الناقة وقال الحسن البصري : حتى يدخل البعير في خرم الإبرة وكذا قال أبو العالية والضحاك وكذا روى علي بن أبي طلحة العوفي عن ابن عباس وقال مجاهد وعكرمة عن ابن عباس : إنه كان يقرؤها يلج الجُمّل في سم الخياط بضم الجيم وتشديد الميم يعني الحبل الغليظ في خرم الإبرة وهذا اختيار سعيد بن جبير وفي رواية أنه قرأ حتى يلج الجمل يعني قلوس السفن وهي الحبال الغلاظ .
القرطبي : قرأ ابن عباس الجُمَّل بضم الجيم وفتح الميم وتشديدها وهو حبل السفينة الذي يقال له القلس وهو حبال مجموعة جمع جملة قاله أحمد بن يحيى ثعلب وقيل : الحبل الغليظ من القنب وقيل : الحبل الذي يصعد به في النخل وروى عنه أيضا وعن سعيد بن جبير : الجُمْل بضم الجيم وتخفيف الميم هو القلس أيضا والحبل على ما ذكرنا آنفا وروى عنه أيضا الجُمُل بضمتين جمع جمل كأسد وأسد والجمل مثل أسد وأسد وعن أبي السمال الجَمْل بفتح الجيم وسكون الميم وتخفيف جمل
فتح القدير : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط أي أن هؤلاء الكفار المكذبين المستكبرين لا يدخلون الجنة بحال من الأحوال ولهذا علقه بالمستحيل فقال : حتى يلج الجمل في سم الخياط وهو لا يلج أبدا وخص الجمل بالذكر لكونه يضرب به المثل في كبر الذات وخص سم الخياط وهو ثقب الإبرة بالذكر لكونه غاية في الضيق والجمل الذكر من الإبل والجمع جمال وأجمال وجمالات وإنما سمي جملا إذا أربع وقرأ ابن عباس الجمل بضم الجيم وفتح الميم مشددة وهو حبل السفينة الذي يقال له : القلس وهو حبال مجموعة قاله ثعلب وقيل : الحبل الغليظ من القنب وقيل : الحبل الذي يصعد به في النخل وقرأ سعيد بن جبير الجمل بضم الجيم وتخفيف الميم وهو القلس أيضا وقرأ أبو السماك الجمل بضم الجيم وسكون الميم وقرئ أيضا بضمهما وقرأ عبد الله بن مسعود : حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط
تفسير البغوي : ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط أي : حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة والخياط والمخيط الإبرة والمراد منه : أنهم لا يدخلون الجنة أبدا لأن الشيء إذا علق بما يستحيل كونه يدل ذلك على تأكيد المنع كما يقال : لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب أو يبيض .
تفسير البيضاوي : أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم وهو البعير فيما هو مثل في ضيق المسلك وهو ثقبة الإبرة وذلك مما لا يكون فكذا ما يتوقف عليه وقرئ الجمل كالقمل والجمل كالنغر والجمل كالقفل والجمل كالنصب والجمل كالحبل وهو الحبل الغليظ من القنب وقيل حبل السفينة .
تفسير ابي السعود : أي حتى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم فيما علم في ضيق الملك وهو يقبة الإبرة وفي كون الجمل مما ليس من شأنه الولج في سم الإبرة مبالغة في الاستبعاد وقرىء الجمل كالقمل والجمل كالنغر والجمل كالقفل والجمل كالنصب والجمل كالحبل وهي الحبل الغليظ من القنب وقيل حبل السفينة وسم بالضم والكسر وقرىء في سم المخيط وهو الخياط أي ما يخاط به كالحزام والمحزم.
ومما سمعته من الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - - صاحب الأضواء في تفسير هذه الآية ما معناه قال : " إن العرب تعلق المستحيل على الشيء الذي لا يمكن حدوثه ، كقولهم :
إذا شاب الغراب أتيت أهلي ..... وصار القار كاللبن الحليب
والغراب لا يشيب أبدا ، والقار لا يصير لبنا ابدا .. فهؤلاء الكفار لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل الكبير الضخم في خرق الأبرة الصغير الضيق ، وهذا مستحيل ...انتهى كلامه


 الجَمَلُ وَسَمُّ الخِيَاطِ	 I-a-ao10